هيومن رايتس: على الأمم المتحدة فرض عقوبات على كبار القادة السعوديين ومنهم محمد بن سلمان
يمنات – صنعاء
قالت منظمة “هيومن رايتس ووتش” إن القيود الموسعة للتحالف بقيادة السعودية على المساعدات الإنسانية والسلع الأساسية ومنعها من بلوغ سكان اليمن المدنيين، تؤدي إلى تدهور الكارثة الإنسانية في البلاد.
و اضافت منظمة “هيومن رايتس ووتش”، يجب على مجلس الأمن فرض حظر سفر على كبار قادة التحالف وتجميد أصولهم، ومنهم ولي العهد السعودي ووزير الدفاع محمد بن سلمان، ما لم يكف فورا عن منع المساعدات والسلع التجارية من بلوغ المدنيين بالأراضي التي يسيطر عليها انصار الله
وكان التحالف السعودي فرض حصارا بحريا وجويا على اليمن منذ بداية النزاع الحالي في مارس/آذار 2015، وشدد من قيوده على تدفق الغذاء والوقود والدواء للمدنيين في مخالفة للقانون الدولي الإنساني.
و قال جيمس روس، مدير قسم القوانين والسياسات في هيومن رايتس ووتش: “استراتيجية التحالف بقيادة السعودية في اليمن ارتبطت بشكل مطرد بمنع المساعدات والسلع الأساسية من بلوغ المدنيين، ما يعرّض ملايين الأرواح للخطر. على مجلس الأمن أن يفرض سريعا عقوبات على القادة السعوديين وقادة التحالف الآخرين المسؤولين عن منع وصول الغذاء والوقود والدواء، ما يؤدي إلى المجاعة والمرض والموت”.
يعتمد اليمن كثيرا – وهو أفقر بلدان الشرق الأوسط – على الطعام والدواء والوقود المستورد، بما يفي بـ 80 إلى 90 بالمائة من احتياجات السكان تقريبا. حتى نوفمبر/تشرين الثاني، كان 7 ملايين نسمة يعتمدون على المساعدات الغذائية بشكل تام، وربما كان نحو المليون مصابين بالكوليرا، مع تفشي الدفتريا – وهو مرض يمكن تلافيه – ولكنه تسبب حتى الآن في مقتل أكثر من 20 شخصا وإصابة 200 آخرين. يُقدر أن نحو 2 مليون طفل يعانون من سوء التغذية الحاد. نصف مستشفيات اليمن مغلقة ونحو 16 مليون نسمة يفتقرون للمياه النظيفة.
و قالت هيومن رايتس ووتش إن إعادة فتح منافذ اليمن البرية والجوية والبحرية أمام الشحنات التجارية – التي بلغت قبل نوفمبر/تشرين الثاني نحو 80 بالمئة من جميع الواردات – مسألة هامة ضمن أي جهد للتصدي لما وصفته الأمم المتحدة بـ “أسوأ أزمة إنسانية” في العالم.
واشارت المنظمة الى وجود قيودا كبيرة على تسليم السلع الأساسية للسكان المدنيين. في حين بلغ عدد محدود من الشحنات منافذ الحوثي بشكل غير منتظم منذ 22 نوفمبر/تشرين الثاني، فلم يشر التحالف لما إذا كان سيسمح باستئناف الموانئ البحرية الخاضعة لسيطرة الحوثي في استقبال الشحنات التجارية، وتشمل الوقود والأدوية. يقدر “برنامج الأغذية العالمي” أن حتى مع الرفع الجزئي للحصار، فهناك 3.2 مليون نسمة إضافيين سيعانون من المجاعة، مع إمكانية وفاة 150 ألف طفل يعانون من سوء التغذية خلال الأشهر التالية.
في 2 ديسمبر/كانون الأول، أصدر رؤساء 7 هيئات إنسانية بيانا مشتركا يطالب التحالف برفع القيود: “بدون الاستئناف العاجل للواردات التجارية، وخاصة الأغذية والوقود والأدوية، فإن الملايين من الأطفال والنساء والرجال سيواجهون خطر الجوع والمرض والموت الجماعي”.
انتهكت إجراءات التحالف العسكري حظر قوانين الحرب لفرض قيود على المساعدات الإنسانية وعلى تدمير الأغراض الضرورية لحياة السكان المدنيين. هذه الانتهاكات، فضلا عن تجاهل التحالف لمعاناة السكان المدنيين، تُظهر أن التحالف ربما ينتهك الحظر على استخدام التجويع كوسيلة حرب، وهي جريمة حرب.
قالت هيومن رايتس ووتش إن على مجلس الأمن فرض حظر سفر على كبار قادة التحالف وتجميد أصولهم، ومنهم محمد بن سلمان، جراء دورهم في انتهاكات القانون الدولي الإنساني في اليمن. بموجب قرار مجلس الأمن رقم 2216، فإن لجنة جزاءات اليمن يمكنها مواجهة “أفراد أو كيانات” بعقوبات محددة الهدف، إذا كانت تؤدي إلى “عرقلة المساعدة الإنسانية إلى اليمن أو إعاقة الحصول عليها أو توزيعها في اليمن”.
و بحسب المنظمة فقد قامت لجنة الجزاءات بالفعل بفرض عقوبات – بما يشمل تجميد أصول وحظر سفر – على 5 قيادات يمنية ومن بينهم صالح. ولكنها لم تفرض عقوبات على أحد من التحالف، رغم المعلومات حول تكرر انتهاك حقوق المدنيين، بما يشمل عرقلة المساعدات، التي جمعتها “لجنة خبراء الأمم المتحدة”، وتضم معلومات حول تنفيذ القرار.
و قال روس: “قام أعضاء مجلس الأمن، لا سيما الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا وحلفاء التحالف الآخرين، بحماية السعودية من التدقيق الدولي الجاد رغم ارتكاب التحالف بقيادة السعودية لفظائع بلا حصر في اليمن. على مجلس الأمن التحرك فورا ضد قادة التحالف الذين فاقموا كارثة اليمن الإنسانية القائمة، وإلا فليشاركهم في تحمل اللوم”.
الأزمة الإنسانية المتفاقمة في اليمن
منذ مارس/آذار 2015، أجرت هيومن رايتس ووتش عشرات المقابلات مع عاملين بالصحة والإغاثة الإنسانية في اليمن حول القيود المفروضة على المساعدات والسلع الأساسية وأثرها على السكان المدنيين. راجعت هيومن رايتس ووتش أيضا بيانات التحالف وتقييمات الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية حول اليمن. وثقت هيومن رايتس ووتش بالفعل أعمال كل من التحالف بقيادة السعودية وقوات الحوثي-صالح المتحالفة سابقا، التي عرقلت توصيل المساعدات للمدنيين، في خرق للقانون الدولي الإنساني.
آثار نقص الوقود
في 6 نوفمبر/تشرين الثاني، فرض التحالف بقيادة السعودية حصارا كاملا على اليمن، وتم رفعه جزئيا على مدار الأيام والأسابيع التالية. قال مسؤول بوكالة إنسانية إن “الأثر المباشر والفوري” لحصار نوفمبر/تشرين الثاني كان على إمدادات الوقود. من قبل الحصار لم يكن الوقود متوفرا في أغلب الأحيان في شتى أنحاء اليمن، بما في ذلك المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية، كعدن، التي تعرضت لموجات متكررة من نقص الوقود. في 23 نوفمبر/تشرين الثاني قدّر برنامج الأغذية العالمي أن إمدادات الوقود والديزل في اليمن ستنفد خلال أسابيع. كما أن نقص الوقود يصعّب من ضخ المياه النظيفة وتشغيل معدات المستشفيات وتخزين التطعيمات بشكل آمن.
كما أسهمت قوات الحوثي-صالح في نقص الوقود. أفادت لجنة خبراء الأمم المتحدة في يونيو/حزيران أن قوات الحوثي-صالح ربحت ما يناهز 1.4 مليار دولار من توزيع الوقود والزيت في السوق السوداء. كما قامت باستيراد الوقود لأغراض عسكرية.
قال مسؤولون في 5 مستشفيات بمحافظات الحديدة وتعز وصنعاء لـ هيومن رايتس ووتش إن بعد 6 نوفمبر/تشرين الثاني تسبب نقص الوقود في آثار “كارثية” على تشغيل مستشفياتهم. 4 من المستشفيات الخمس، ومنها أكبر مستشفيين في اليمن، أصبحت تعتمد بشكل كامل على مولدات الكهرباء التي يشغلها الوقود. تقدّم المستشفيات خدمات لآلاف الأشخاص.
قال د. نصر القدَّسي، المدير العام لثاني أكبر مستشفى يمني – في صنعاء – لـ هيومن رايتس ووتش، إن المستشفى تحتاج 60 ألف لتر وقود شهريا لتشغيل مولداتها وتوليد الأوكسجين وإدارة سيارات الإسعاف والحافلات الخاصة بالعاملين. بعد 6 نوفمبر/تشرين الثاني، توقف موردو المياه للمستشفى عن توفير المياه، وقالوا للمستشفى إن عليها إمدادهم بالوقود للحصول على المزيد من المياه. قال القدَّسي: “المياه والكهرباء والأوكسجين مهمة للغاية. ولدينا مشكلة في الحصول عليها جميعا”.
قال د. عبد اللطيف أبو طالب–، رئيس أكبر مستشفى في اليمن، في صنعاء أيضا، والتي يمكن أن تقبل حوالي 1،000 مريض. – إن قرار 6 نوفمبر/تشرين الثاني “سبب لنا ذعرا كبيرا… واتجهت جميع جهودنا إلى البحث عن الديزل اللازم لتشغيل المستشفى”. أضاف: “عندي 105 مرضى في وحدة العناية المركزة على أجهزة المراقبة الحيوية وأجهزة التنفس الصناعي. إذا توقفت إمدادات الطاقة الخاصة بالمستشفى فسوف تحدث كارثة”.
كما أن الوقود ضروري للحصول على المياه النظيفة في اليمن. بعد أقل من أسبوع على بدء حصار نوفمبر/تشرين الثاني، أفادت الأمم المتحدة بزيادة في أسعار الوقود بواقع 60 بالمائة في صنعاء وأسعار المياه المنقولة بالشاحنات بواقع 133 بالمائة. بعد 3 أسابيع على بدء الحصار، أفاد مسؤولون بمستشفيات في محافظتين بوقوع ارتفاعات كبيرة في الأسعار، حتى 300 بالمائة، هذا إذا توفر الوقود من الأساس. قال طبيب: “ارتفعت الأسعار بشكل جنوني، ولم نعد قادرين على شراء الوقود”. قال أطباء آخرون إنهم خصصوا جميع أرباح المستشفى، وأغلبها تُنفق عادة على الدواء والإمدادات الطبية، لشراء الديزل.
ارتفاع أسعار الوقود – بحسب الأمم المتحدة – أدى إلى ارتفاع كبير في أسعار المياه المنقولة بالشاحنات، حتى 600 بالمائة في بعض الأماكن. يعتمد نحو 17 مليون نسمة في اليمن على شبكات المياه الحكومية، وبعضها مغلقة بسبب نقص الوقود، أو على المياه التجارية. في أواخر نوفمبر/تشرين الثاني أفادت”اللجنة الدولية للصليب الأحمر” بأن 9 مدن تفتقر للوقود اللازم لإدارة محطات معالجة المياه. المياه النظيفة مطلوبة لمنع الأمراض المنقولة عن طريق المياه، مثل الكوليرا.
زاد نقص الوقود أيضا من ندرة الطعام. اضطر المدنيون لإنفاق نقودهم القليلة على المياه، فنقص الدخل المخصص لشراء الطعام “ما أدى لزيادة انعدام الأمن الغذائي المتفشي والمجاعة” بحسب الأمم المتحدة. الوقود مطلوب لنقل “الطعام القليل المتبقي في اليمن، وإلا سيبقى الطعام في المخازن بينما يموت الأبرياء جوعا على مقربة منها”، بحسب “أوكسفام”.
إغلاق المرافئ البحرية في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثي
بين 6 و26 نوفمبر/تشرين الثاني، رفض التحالف السماح لأية سفن بالدخول إلى مرافئ خاضعة لسيطرة الحوثي. في 6 نوفمبر/تشرين الثاني، أرسلت “آلية الأمم المتحدة للتحقق والتفتيش الخاصة باليمن” رسالة بالبريد الإلكتروني، اطلعت عليها هيومن رايتس ووتش، إلى السفن، تطلب منها مغادرة موانئ البحر الأحمر في الحديدة والصليف على الفور. الحديدة ميناء أساسي لاستقبال الغذاء والوقود وسلع أخرى، في حين أن ميناء الصليف هو مرفأ رئيسي لواردات الطعام. الوثائق التي كشف عنها مسؤولون بالميناء تشير لأن السفن المضطرة لمغادرة الميناء كانت تقل قمحا ووقودا وشحنات أخرى. قالت الرسالة إن الآلية أوقفت عمليات الإجلاء “حتى إشعار آخر”.
بعد أيام قليلة على إعلان الحصار الكامل، سمح التحالف لبعض السفن بدخول الموانئ الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية، بما يشمل ميناءي عدن والمكلا. في 26 نوفمبر/تشرين الثاني، سمح التحالف لسفينة تقل طعاما بدخول موانئ خاضعة لسيطرة الحوثيين- للمرة الأولى منذ 3 أسابيع. أثناء الأسبوع التالي، سمح التحالف لسفن أخرى تقل طعاما بدخول الحديدة والصليف. لكن قال 4 مسؤولين معنيين بالمساعدات الإنسانية في مطلع ديسمبر/كانون الأول إن التحالف ما زال يضيّق كثيرا على تدفق السلع الأساسية للميناءين، بما يشمل الطعام والوقود والدواء.
منذ نوفمبر/تشرين الثاني، رفض التحالف السماح لجميع السفن التجارية تقريبا بدخول الموانئ الخاضعة لسيطرة الحوثي. لم يسمح التحالف لأي ناقلات وقود تجارية بالذهاب إلى الموانئ الخاضعة لسيطرة الحوثيين أو أي سفن تجارية للذهاب إلى الميناء المخصص لإستيراد الشحنات غير المعبئة و حتى 5 ديسمبر، وفقا لما ذكره المتحدث باسم آلية الأمم المتحدة للتحقق والتفتيش في اليمن “UNVIM”، وقد رفض التحالف “منح اربع ناقلات وقود المرور … وقد تحركت اثنتين من هذه الناقلات الآن إلى موانئ يمنية أخرى بسبب تكاليف [التأخير] ” وفقا لما ذكره المتحدث.
في يونيو/حزيران أغلق التحالف ميناء راس عيسى للوقود، ما حدّ كثيرا من وصول شحنات الوقود لليمن. لم تنفذ الآلية إجراءات دخول لسفينة واحدة إلى راس عيسى منذ مايو/أيار. تم تحويل الشحنات الواردة إلى الحديدة حتى نوفمبر/تشرين الثاني. كانت راس عيسى مخصصة لواردات الديزل، ولديها سعة أكبر من الحديدة، غير القادرة على تعويض الفاقد في سعة الاستقبال من قبل إغلاقها في وجه الواردات في نوفمبر/تشرين الثاني.
إغلاق الموانئ الثلاثة في وجه كل الشحنات لثلاثة أسابيع والاستمرار في التضييق البالغ على شحنات السلع التجارية يحرم السكان المدنيين من السلع الأساسية. يعتمد سكان اليمن على الواردات التجارية الخاصة بالغذاء والوقود والدواء اعتمادا تاما.
قبل 6 نوفمبر/تشرين الثاني، كان كمية 75 طنا متريا من إجمالي 350 ألف طن متري من واردات الغذاء لليمن – أو نحو 20 بالمئة – مساعدات إنسانية، و80 بالمئة من الكمية الإجمالية تأتي عبر الواردات التجارية، بحسب الأمم المتحدة. تقدر الأمم المتحدة أن احتياجات اليمن من الوقود تبلغ 544 ألف طن متريّ في الشهر، أي جميع الواردات التجارية التي تبلغ اليمن عن طريق واحد من موانئه الستة، ما يجعل إمدادات الوقود في خطر بالغ حال اضطراب الحركة البحرية أو التجارية.
تكرر قول التحالف بأنه يمكن أن يتحول مسار السفن إلى الموانئ الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية، التي يدعمها التحالف، لكن هذين الميناءين غير كافيان للوفاء باحتياجات السكان المدنيين.
ليس في ميناء عدن – الأكثر استخداما بعد الحديدة والصليف – القدرة على استقبال مئات الآلاف من الأطنان المترية من الغذاء والوقود والدواء، والسلع المستوردة الأخرى التي يعتمد عليها اليمن تماما. في عدن حاليا سعة استقبال نحو 50 ألف طن متري من الوقود و80 ألف طن متري من الغذاء شهريا، بحسب الأمم المتحدة، وهي كميات أقل بكثير من احتياجات اليمن.
قالت هيومن رايتس ووتش إن السماح للموانئ في الأراضي الخاضعة لسيطرة الحوثي بالاستمرار في العمل مسألة لا غنى عنها للتصدي للأزمة الإنسانية. 80 بالمائة من جميع الواردات – الإنسانية والتجارية – كانت ترد على مينائي الحديدة والصليف قبل 6 نوفمبر/تشرين الثاني. هذان الميناءان معا تبلغ سعتهما نحو 150 ألف طن متري من الوقود و295 ألف طن متري من الغذاء و90 ألف طن متري من المواد غير غذائية، شهريا.
لدى سؤال التحالف في مطلع 2017 عن سبب رفضه السماح بواردات المواد الخاصة بإصلاح أو استبدال البنية التحتية التي تحتاج لإصلاح واستبدال في الحديدة، بما يشمل 4 رافعات تبرعت بها الولايات المتحدة، قال الناطق باسم التحالف حينها، اللواء الركن أحمد عسيري إن التحالف “أعاد هذه الرافعات… لأننا لا نريد الاستمرار في تحسين قدرات الحوثيين على جني الأموال وتهريب الأسلحة”.
الخلاصة التي قدمتها الأمم المتحدة هي أنه: “برغم عمله بقدرة منخفضة عن قدرته الفعلية، إلا انه لا يوجد بديل للميناء [الحديدة]”. إذا استمر حصار النقل التجاري، “فسوف يستمر خطر الموت والمرض والمجاعة الداهم”.
القيود المفروضة على وصول السلع الأساسية للموانئ الحوثية
قالت هيومن رايتس ووتش إن القيود التي فُرضت في نوفمبر/تشرين الثاني تمثل أحدث خطوات التحالف لعرقلة وصول السلع الأساسية للمدنيين في مناطق سيطرة الحوثيين.
في عام 2015، وثقت هيومن رايتس ووتش احجام التحالف عن الترخيص لناقلات النفط بالسفر إلى اليمن. في عام 2016، وإدراكا للحاجة إلى ضمان دخول الواردات التجارية إلى اليمن، أنشأت الأمم المتحدة آلية الأمم المتحدة للتحقق والتفتيش لإصدار تصاريح لجميع سفن الشحن التجارية التي تسافر إلى الموانئ الخاضعة لسيطرة الحوثيين.
عرقل التحالف مرارا عمل الآلية. منذ عام 20 16، كان على السفن، وبعد إنهاء الآلية تفتيشها، التوجه إلى “منطقة واقعة تحت سيطرة التحالف” في البحر الأحمر وانتظار قيام التحالف بتفتيشها أو منحها الإذن بالذهاب إلى الميناء. على مدار 4 أشهر في عام 2017، وثّقت هيومن رايتس ووتش 7 حالات قام فيها التحالف بتحويل أو تأجيل حركة ناقلات وقود متجهة إلى موانئ خاضعة لسيطرة الحوثيين بعد قيام الأمم المتحدة بتفتيشها والسماح لكل واحدة منها بالمتابعة. كما قام التحالف بتحويل وتأخير السفن التجارية التي تحمل شحنات إنسانية.
قال طبيب في الحُديدة لـ هيومن رايتس ووتش إن المستشفى تلقت أدوية منتهية الصلاحية أو تقترب من نهاية صلاحيتها. أضاف: “عندما تساءلنا عن السبب، قيل لنا إن البضائع تقضي وقتا طويلا في البحر للتفتيش وإجراءات منح الإذن. بعض الأدوية اختفت من السوق. كانت بعض السلع تأتي من عدن، لكن بصعوبة بالغة وبكميات صغيرة جدا وأسعار مرتفعة. نحن لا نملك القدرة على شرائها حتى بأسعارها العادية”، كما قال طبيب آخر في صنعاء.
قال رجل أعمال مقيم في صنعاء إن أصدقاءه لم يتمكنوا من الحصول على أدوية لأمراض مزمنة، بما في ذلك الفشل الكلوي:
الوضع الطبي كارثي، والأشخاص يموتون طوال الوقت. قد تجد أدوية، لكن معظمها مهرَّب. تحتاج الأدوية إلى التخزين بشكل محدد. عندما يحاول هؤلاء الرجال تهريبها تحت الأرض، تكون في حالة تخزين سيئة، ويكون الدواء إما عديم الفائدة أو قاتل.
أثارت الوكالات الإنسانية مرارا مخاوف بشأن تحويل التحالف لجميع الواردات إلى عدن التي تسيطر عليها الحكومة. يتطلب نقل البضائع شمالا من عدن عبور خطوط القتال، ويزيد طول الطريق ووقت السفر مدة تقارب 3 أسابيع، كما يرفع التكلفة من 30 إلى 70 دولارا للطن، فتصبح البضائع أكثر كلفة على اليمنيين، وفقا للأمم المتحدة. إضافة إلى ذلك، تتنافس القوات المسلحة التابعة للحكومة اليمنية والإماراتية، عضو في الائتلاف، للسيطرة على المدينة، بما في ذلك ميناءها ومطارها.
جمع مصدر في صنعاء أسعار المواد الغذائية من متجر للبقالة في المدينة التي كانت الأسعار فيها منخفضة نسبيا قبل إعلان 6 نوفمبر/تشرين الثاني وبعد أسبوعين تقريبا من فرض الحصار الكامل. ارتفعت معظم أسعار المواد الغذائية الأساسية – بما فيها زيت الطهي والدقيق والأرز – بنحو 25 بالمائة. وصل سعر الفاصوليا تقريبا إلى الضعف. قال رجل أعمال في صنعاء إن عائلته لاحظت اختفاء علامات تجارية غذائية خلال الأشهر الماضية. أشارت وثائق للأمم المتحدة حول تطوّر الأسعار، اطلعت عليها هيومن رايتس ووتش، إلى ارتفاع حاد في أسعار السلع في المحافظات بعد حصار التحالف في نوفمبر/تشرين الثاني.
قبل النزاع، كان ما يقرب من 40 بالمائة من سكان اليمن يعيشون على أقل من دولارين يوميا. أدى انهيار الريال اليمني وعدم دفع رواتب موظفي الحكومة، بما في ذلك في بعض المحافظات الخاضعة لسيطرة الحكومة، إلى تفاقم أثر زيادة الأسعار على متوسط قدرة اليمنيين على شراء الغذاء والوقود والأدوية.
قيود التحالف على وصول المساعدات الإنسانية
فرض التحالف بقيادة السعودية قيودا متزايدة على وصول المساعدات الإنسانية إلى صنعاء، أكبر مدن اليمن، والواقعة تحت سيطرة الحوثيين.
أوقف التحالف جميع الرحلات التجارية إلى صنعاء في أغسطس/آب 2016. دعت 12 وكالة إغاثة التحالف إلى إعادة فتح المطار الرئيسي في البلاد، وأشارت إلى أن الرحلات التجارية “تجلب الإمدادات الحيوية في كثير من الأحيان وتتيح كذلك حرية الحركة للمدنيين”. وثقت منظمة “مواطَنة”، منظمة حقوقية، حالات منع سفر أشخاص يعانون من أمراض مزمنة إلى الخارج للعلاج، بما في ذلك امرأة احتاجت لجراحة قلب وتوفيت لاحقا.
في مايو/أيار، حاول التحالف حصر المسافرين في رحلات الأمم المتحدة إلى صنعاء في حاملي جوازات السفر الأممية فقط، لكن البقية موظفون أساسيون في منظمات إغاثة وحقوقية، مثل هيومن رايتس ووتش، وصحفيون. تمكنت الأمم المتحدة من التفاوض على السماح لموظفي المنظمات الإنسانية بالسفر على رحلاتها، لكن مُنع البقية.
عرقل التحالف بشكل متكرر قدرة منظمات الإغاثة على العمل في الأراضي التي يسيطر عليها الحوثيون. في أغسطس/آب، أبلغ التحالف الأمم المتحدة بحاجة الموظفين الدوليين إلى تأشيرتي دخول، واحدة من الحوثيين وأخرى من الحكومة اليمنية، للسفر ضمن رحلات الأمم المتحدة. كان التحالف قد فرض في السابق شروطا مماثلة على الصحفيين قبل منعهم من السفر نهائيا. طلبت الحكومة اليمنية لاحقا من جميع المنظمات الإنسانية إبرام اتفاقات جديدة مع الوزارات في عدن، حتى لو كان لديها اتفاق قائم مع الحكومة اليمنية. في أكتوبر/تشرين الأول، أبلغ التحالف الأمم المتحدة مرة أخرى أن حاملي جوازات سفر الأمم المتحدة وحدهم يستطيعون السفر في رحلات الأمم المتحدة الجوية. عندما رفضت الأمم المتحدة مطالبة منظمات الإغاثة بالتوقف عن استخدام رحلاتها الجوية، رد التحالف بتعليق الرحلات الجوية ليومين، وفقا لما قاله موظفو إغاثة في صنعاء لـ هيومن رايتس ووتش.
كجزء من عمليات الإغلاق في 6 نوفمبر/تشرين الثاني، رفض التحالف السماح للرحلات الجوية الإنسانية، التي تحمل أفرادا أو شحنات، بالهبوط في صنعاء. في 22 نوفمبر/تشرين الثاني، وبعد 8 أيام من المفاوضات، سُمح لرحلة واحدة بإجراء إجلاء طبي منقذ للحياة لعامل مساعدات أجنبي في حالة صحية حرجة. استؤنفت الرحلات الإنسانية إلى صنعاء في 25 نوفمبر/تشرين الثاني.
دعا التحالف مرارا الوكالات الإنسانية إلى نقل عملياتها إلى عدن التي تسيطر عليها الحكومة. في إعلانه في 6 نوفمبر/تشرين الثاني، دعا التحالف “الطواقم المدنية والإنسانية” إلى تجنب “المناطق والموانئ التي يستغلها الحوثيون لتهريب الأسلحة”. كما قال الإعلان إن على العاملين في المجال الإنساني تجنب “مناطق سكن الحوثيين”.
حصار التحالف والقانون الإنساني الدولي
يحظر القانون الإنساني الدولي، أو قوانين الحرب، الهجمات المتعمدة والعشوائية على المدنيين والهجمات التي تسبب أضرارا غير متناسبة للمدنيين مقارنة بالفائدة العسكرية المتوقعة. يسمح القانون بالحصار أثناء النزاعات المسلحة بشرط ألا يسبب ضررا غير متناسب للمدنيين. مع ذلك، يجب على أطراف النزاع السماح بتسهيل وصول المساعدات الإنسانية بسرعة للمدنيين المحتاجين إليها وعدم التدخل التعسفي بها. على الأطراف أيضا كفالة حرية تنقل العاملين في المجال الإنساني، وعدم تقييدها إلا بشكل مؤقت ولأسباب تتعلق بضرورة عسكرية ملحة.
يحظر على الأطراف المتحاربة أيضا شن هجمات على منشآت لا غنى عنها للسكان المدنيين. يمكن أن يشمل ذلك المخازن الغذائية، ومرافق مياه الشرب، ومنشآت الموانئ.
تحظر قوانين الحرب استخدام التجويع كوسيلة حرب، وتطالب أطراف النزاع بعدم “التسبب عمدا [بالتجويع]” أو التسبب عمدا في “معاناة السكان من الجوع، ولا سيما عبر حرمانهم من مصادر الغذاء أو الإمدادات”.
منذ بدء النزاع، عرقل التحالف بقيادة السعودية وصول المساعدات الإنسانية وحرية تنقل العاملين في مجال الإغاثة. أعاقت قوات الحوثي-صالح المعارِضة أيضا المساعدات وصادرتها، ومنعت وصولها إلى السكان المحتاجين. كما قيدت حركة المدنيين المصابين وعمال الإغاثة، وأثّرت بشكل حاد على تعز، ثالث أكبر مدن اليمن.
خلال الأسابيع الثلاثة التي تلت منع الرحلات الإنسانية إلى صنعاء في نوفمبر/تشرين الثاني، اضطرت الأمم المتحدة إلى إلغاء أكثر من 30 رحلة جوية، مما أدى إلى تقطع السُبل بـ 220 موظف في مجال المساعدة الإنسانية من حوالي 50 وكالة خارج اليمن، و310 في اليمن. قال مسؤول في منظمة إنسانية إن 80 بالمائة من عملياتهم تقع في مناطق تضررت من إغلاق مطار صنعاء. قال آخر إن منظمته استخدمت المطار لاستيراد اللقاحات والمواد الطبية الأساسية الأخرى التي تتطلب تخزينا باردا طوال عملية النقل.
دمر التحالف جزئيا أو كليا منشآت أساسية للسكان المدنيين في مناطق الحوثيين. في أغسطس/آب 2015، أصابت غارات التحالف الجوية ميناء الحديدة، مما ألحق أضرارا بالبنية التحتية الأساسية للميناء. رفض التحالف السماح بإصلاح البنية التحتية المدمرة للميناء أو استيراد قطع الغيار اللازمة لإجراء إصلاحات، بحسب مسؤول في الميناء. في يناير/كانون الثاني 2016، دمرت غارات التحالف الجوية ميناء راس عيسى للتخزين والتفريغ، ما أدى لإغلاق جزء من المنشأة، وفقا لما ذكرته “رويترز”.
أدى الحصار الكامل الذي أُعلن عنه في 6 نوفمبر/تشرين الثاني إلى تفاقم نقص الأغذية في اليمن بشكل فوري. قال طبيب في الحديدة إن أسعار الوقود والغذاء والدواء مثلا ارتفعت بشكل كبير. ويشهد المستشفى حاليا مزيدا من حالات سوء التغذية الحاد الوخيم، والذي هو “ليس مؤشرا جيدا”، “ما يعني ان الناس يصلون إلى حالة حرجة بسرعة كبيرة. لا يملك معظم الناس طعاما، ولا حتى ماء… المستشفيات على وشك الإغلاق. لماذا كل هذا، لماذا؟ وصل الناس إلى الحضيض، وقد يتسبب هذا القرار الأخير في نهاية الجميع”.
برر التحالف الحصار الكامل بأنه لتقييد وصول الأسلحة أجنبية الصنع، خاصة الإيرانية، إلى القوات الحوثية. يسمح قرار مجلس الأمن رقم 2216 للتحالف بتفتيش البضائع المرسلة إلى اليمن إن كانت هناك “أسباب معقولة” للاشتباه في احتواء الشحنة على أسلحة ومواد محظورة أخرى، لكن ليس منع جميع البضائع.
الحصار الذي فُرض في نوفمبر/تشرين الثاني غير متناسب وغير قانوني لأن الضرر المتوقع للسكان المدنيين يتجاوز أي فائدة عسكرية ظاهرة. إذا ما أخذنا في الاعتبار التقليل من المساعدات الإنسانية وتدمير المنشآت التي لا غنى عنها للسكان المدنيين، فإن هذا الإجراء يبرز أن التحالف ربما استخدم تجويع المدنيين كسلاح حرب. كان من الممكن أن يخفف الرفع الجزئي للحصار من المعاناة، لكنه لم ينه خطر انتشار الجوع وغيره من ضرر المدنيين.
يمكن محاكمة الأشخاص الذين يرتكبون عمداً انتهاكات جسيمة للقانون الدولي الإنساني بتهم جرائم حرب. يتضمن هذا استخدام تجويع المدنيين عمدا كوسيلة حرب عبر حرمانهم من أشياء ضرورية ومنع المساعدات الإنسانية. يتحمل القادة العسكريون والمدنيون المسؤولية، من واقع مبدأ مسؤولية القيادة، عن الجرائم التي يرتكبها مرؤوسوهم إذا كانوا يعلمون بها أو كان عليهم أن يعلموا بها ثم أخفقوا في التدخل لمنعها أو معاقبة مرتكبيها.